فصل: فصل في حكم البيع على الغائب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل في حكم البيع على الغائب:

قال (م): الأولى والله أعلم أن يقول: فصل في الحكم على الغائب ليشمل الطلاق عليه والعتق، وقد ذكرهما هنا. وأجاب عن ذلك: بأن الفصل إنما هو للبيع والطلاق والعتق إنما ذكرا استطراداً. واعلم أنه إذا حضر الطالب وحده عند القاضي فلا يخلو المطلوب إما أن يكون تحت إيالته أو خارجاً عنها، فإن كان تحت إيالته فلا يخلو أمره من ثلاثة أحوال، لأنه إما أن يكون حاضراً معه في البلد فيرسل إليه أحد أعوانه، وإما أن يكون خارجاً عن البلد بيسير الأميال مع أمن الطريق فإنه يكتب إليه بأن يحضر أو يوكل، وإما أن يكون بعيداً حساً أو معنى كالخوف، فالحكم أن يكتب القاضي لأمثل أمين هناك أن يفعل ما يجب من إنصاف أو إصلاح أو إزعاج المطلوب للخصام كما تقدم ذلك في فصل رفع المدعى عليه، وأما إن كان خارجاً عن إيالته فله حالتان: إما أن يكون خارجاً عنها لكون ذلك هو وطنه ومحل قراره فهو قوله فيما مر: والحكم في المشهور حيث المدعى عليه إلخ. وإما أن يكون خارجاً عنها لزيارة أو تجارة أو نحوهما، وهو متوطن بمحل ولاية القاضي أو له مال بها أو وكيل أو حميل، فهذه محل الأقسام الثلاثة الآتية في النظم، وإلاَّ لم يحكم عليه بل تنقل الشهادة فقط من غير حكم كما في الشامل وغيره.
لِطَالِبِ الحُكْمِ عَلَى الغُيَّابِ ** يُنْظَرُ في بُعْدٍ وَفِي اقْتِرَاب

(لطالب الحكم على الغياب) جمع غائب كعذال جمع عاذل (ينظر في بُعد) جداً كإفريقيه من مكة أو المدينة أو لا جداً كالعشرة الأيام مع الأمن أو اليومين مع الخوف (وفي اقتراب) كثلاثة أيام مع الأمن.
فَمَنْ عَلَى ثَلاَثَةِ الأَيَّامِ ** وَنَحْوِهَا يُدْعَى إلى الأَحْكامِ

(فمن) كان (على ثلاثة الأيام ونحوها) فهو كالحاضر (يدعى إلى الأحكام) فتسمع البينة وتزكيتها ثم يعلم بها ويعذر إليه في وصولها والطعن فيها، فإن أبدى مطعناً ووكل من يخاصم أو قدم بنفسه فذاك وإلا حكم عليه حتى في استحقاق العقار والطلاق والعتق وبيع عليه ماله من أصول وغيرها لقضاء ديونه أو نفقة زوجته، ولا ترجى له حجة في شيء كما لابن رشد وغيره وهو معنى قوله:
وَيُعْذِرُ الحَاكِمُ في وَصُولِهِ ** بِنَفْسِهِ لِلحُكْم أَوْ وَكيلِهِ

(ويعذر الحاكم) أي يقطع عذره بضرب أجل يسعه (في وصوله بنفسه للحكم أو وكيله) ويسعه للطعن في بينته.
فإنْ تَمَادى وَالمَغِيبُ حَالُهُ ** بِيعَ بِإطْلاَقٍ عَلَيْهِ مَالُهُ

(فإن تمادى والمغيب حاله) أي تمادى على غيبته ولم يوكل ولم يقدم ولم يطعن (بيع) بالخيار ثلاثاً إذ كل ما يبيعه الحاكم فهو على الخيار ثلاثاً، وإن لم يشترطه إلا أن يجهل المشتري كونه بالخيار فله الرد والإمضاء، فإن باع بغير خيار فلكل من الغائب والغرماء الرد لتضررهم بذلك كذا ينبغي قاله (ز). وانظر حاشيتنا على اللامية عند قولها: ومن غاب عن قرب كمن هو حاضر إلخ. (بإطلاق عليه ماله) أصلاً كان أو غيره، ولكن إنما يباع.
بَعْدَ ثُبُوتِ المُوجِبَات الأُوَّلِ ** كالدَّيْنِ وَالْغَيْبَةِ والتَمَوُّلِ

(بعد ثبوت الموجبات الأول) أي السابقة على البيع المشترطة في بيع الحاكم المشار إليها في قول (خ): وباع بثبوت يتمه وإهماله وملكه لما بيع إلخ. فيبدل اليتم والإهمال هنا بالدين والغيبة كما قال: (كالدين والغيبة والتمول) أي كون ذلك المال للغائب فيصير المعنى هكذا: وبيع ماله بعد ثبوت موجبات البيع من الدين أو النفقة والغيبة وقربها أو بعدها، وأنه أعذر له في القريبة فلم يقدم وأن هذا المبيع ملكه وأنه أولى ما يباع عليه وحيازة الشهود له والتسوق وعدم إلغاء زائد والسداد في الثمن وفي تصريحه بأسماء الشهود قولان إلخ. والعمل على تصريحه بهما كما مرّ فإن باع بغير ثبوت هذه الموجبات فهو ضامن كما مرّ في فصل مسائل من أحكام البيع، والمراد بالسداد أن لا تكون فيه محاباة وأن يكون عيناً لا عرضاً، وليس المراد بلوغه القيمة فأكثر كما يتوهم، ففي البرزلي عن السيوري أنه سئل عن بيع القاضي على غائب أو محجور بما أعطى فيه بعد النداء عليه ولم يلف زيادة من غير شهادة أنه بيع مغالاة واستقصاء، هل يجوز هذا البيع؟ فأجاب: إن ثبت أنه لم يوجد فيه إلا ما بيع به ولم تقع محاباة ولا عجلة في البيع ولا تقصير، فهو نافذ بكل حال. اهـ. البرزلي ومثله لابن رشد في بيع ربع اليتيم أو غلاته في نفقة المحجور فقال: يستقصى ويباع ولا ينتظر به بلوغ القيمة، لأنه غاية المقدور. اهـ. وكذا قال ابن محرز فيمن بيع عليه ربعه للدين، فإنه يضرب له أجل شهرين، فإذا انقضى الأجل فإنه يباع، ولو لم يبلغ القيمة وجهل من قال ينتظر به بلوغ القيمة. اهـ. ثم إذا شهدت بينة بأن الثمن سداد والأخرى أنه على غير سداد فلا يلتفت إلى بينة غير السداد حيث لم يوجد فيه إلا ما بيع به بعد النداء عليه، كما في المعيار عن ابن رشد.
قلت: يفهم من هذا أنه لا قيام بالغبن في هذا البيع إذ الغبن هو أن يباع بأقل مما يساويه وقت البيع، ولا شك أنه وقت البيع لم يساو غير ما وقف عليه فكان ذلك قيمته وقولهم: لا ينتظر به بلوغ القيمة إلخ. يعنون القيمة التي كان يعتادها قبل ذلك، ولا شك أن القيمة التي كان يساويها قبل ذلك لا ينظر إليها، ولذلك جهل ابن محرز من قال: ينتظر به بلوغها، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا عند قول الناظم:
وبيع ملك لقضاء دين ** قد أجلوا فيه إلى شهرين

وما تقدم من أنه لابد من ثبوت ملكه لما بيع هو الذي عول عليه غير واحد، وصدر في الشامل بأنه لا يحتاج إلى إثبات ملكه. ابن عبد السلام: وهو ظاهر المذهب بل قال أهل طليطلة: إنه يهجم عليه ويؤخذ له ما يعرف للرجال أو للرجال والنساء. اهـ.
قلت: وهو اللائق بزماننا ويدل لرجحانه أن الأصل فيمن حاز شيئاً يدعي ملكيته يصدق في دعواه ويحمل على أنه ملكه، وكونه بيده وديعة أو من غصب أو سرقة على خلاف الأصل، وقاله ابن رحال في ارتفاقه.
وَمَا مِنَ الدَّيْنِ عَلَيْهِ قُضِيَا ** وكالطَّلاقِ والعِتَاقِ أُمْضِيَا

(و) إذا قبض الثمن فإن (ما) ثبت (من الدين عليه قضيا) بذلك الثمن بعد الإعذار للغرماء في بعضهم بعضاً حيث ضاق ماله عن ديونه وبعد يمين القضاء، لأن هذا الغائب وإن كان كالحاضر فيحلف كل واحد من الغرماء لحق غيره لا لحق الغائب المذكور خشية كون الغائب أو المفلس حاباه بعدم طلبه يمينه، وإذا حلفوا فهل يستأني بقسم المال عليهم؟ فإن لم يعرف بالدين فلا استيناء وإن عرف به فالمشهور أنه يستأني به في الموت فقط (خ): واستؤني به أي بالقسم إن عرف بالدين في الموت فقط. (وكالطلاق) الكاف اسم بمعنى مثل مبتدأ (والعتاق) تقوم البينة بهما أو بأحدهما على الغائب المذكور فيعذر إليه ويستمر على غيبته (أمضيا) عليه بحكم الحاكم بعد ثبوت الموجبات أيضاً من كون هذه المرأة زوجة له وثبوت شرطها عليه الطلاق بغيبته إن كان الطلاق به، أو ثبوت الإعسار بالنفقة إن كان الطلاق به واليمين على نصه كما مرّ في الطلاق بالإعسار، ومن ثبوت غيبة السيد في العتق وثبوت ملكه لهذا المملوك، وثبوت حرية هذا المملوك بالإصالة أو الشهادة على السيد بعتقه أو عدم النفقة لأم ولده التي لا صنعة لها أو لها صنعة لا تقوم بنفقتها.
وَمَا لَهُ لِحُجَّةٍ إرْجاءُ ** فِي شَأْنِ ما جَرَى بِهِ القَضَاءُ

(و) إذا بيع ماله وقضيت ديونهم وقدم ف (ما له) أي الغائب المذكور (بحجة) متعلق بقوله (إرجاء في شأن ما جرى به القضاء) والطلاق أو العتق عليه ماض وكذا البيع. ولو أثبت البراءة من الدين أو النفقة أو جرح شهود الطلاق أو العتق ونحو ذلك.
إلاّ مع اعْتِقَالِهِ مِنْ عُذْرِ ** مِثْلِ العَدْوِّ وَارْتِجَاجِ البَحْرِ

(إلا مع اعتقاله) عن القدوم والتوكيل (من) أجل (عذر) حصل له وقت الإعذار له (مثل) الإغماء والجنون والمرض الفادح أو (العدو) الكافر أو اللصوص أ (وارتجاج البحر) بأن يكون الوقت لا يركب فيه لكثرة هوله، ونحو ذلك من الإعذار فإنه ترجى له الحجة حينئذ لما تقدم من أن اليومين مع الخوف بمنزلة البعد، ويرد الطلاق والعتق ويرجع بالثمن على من قبضه من المشتري في البيع كما يأتي قريباً. ثم أشار إلى الغيبة البعيدة لا جداً فقال:
والحُكْمُ مِثْل الحَالَةِ المُقَرَّرَه ** فِيمَنْ عَلَى مَسَافَةٍ كَالْعَشَرَهْ

(والحكم) مبتدأ خبره (مثل الحالة المقررة) لقريب الغيبة وقوله (فيمن) متعلق بالحكم أي والحكم فيمن غاب غيبة متوسطة وهو ما كان (على مسافة كالعشرة) الأيام مع الأمن أو اليومين مع الخوف مماثل للحالة المقررة في قريب الغيبة إلا أن الأول يحكم عليه في كل شيء كما مر.
وفي سِوَى اسْتِحْقَاقِ أَصْلٍ أُعْمِلاَ ** والخُلْفُ في التَّفْلِيسِ مح عِلْمِ المَلاَ

(و) هذا (في سوى استحقاق أصل أعملا) الحكم عليه (خ): والقريب كالحاضر ثم قال: والعشرة أيام أو اليومان مع الخوف يقضي عليه مع يمين القضاء في غير استحقاق العقار إلخ. أي: وأما استحقاق العقار فلا يقضي عليه فيه لكثرة المشاحة فيه، بل تسمع بينة القائم وليشهد بما ثبت عنده، ثم يصبر حتى يقدم الغائب، وأشعر قوله في غير استحقاق العقار أنه يقضي عليه ببيع العقار لقضاء دين أو دفع نفقة زوجة كما يحكم بذلك على حاضر ملد بالحق قاله (ز). (والخلف في التفليس) لهذا الغائب غيبة متوسطة (مع علم الملا) حين خروجه للسفر فقيل: يفلس فتحل ديونه المؤجلة، ومن وجد سلعته قائمة فهو أحق بها. وقيل: لا يفلس حتى يكتب إليه ويكشف عن حاله وهو المعتمد في موضع النظم الذي هو علم الملاء كما أن قريب الغيبة لا يفلس حتى يكشف عن حاله كان معلوم الملاء حين خروجه أم لا. ومفهوم علم الملاء أنه في المتوسطة إذا علم عدمه حين خروجه أو جهل حاله يفلس من غير خلاف، وأما بعيد الغيبة كمن على شهر أو أكثر فيفلس ولو علم ملاؤه اتفاقاً عند ابن رشد، وعند اللخمي: إنما يفلس إذا لم يعلم ملاؤه حين خروجه أيضاً كالمتوسطة، وبالجملة فيتفق الشيخان في القريبة على أنه لا يفلس حتى يكشف عن حاله، وأن المتوسطة مقيدة بما إذا لم يعلم ملاؤه، وأما إن علم فلا يفلس على المشهور ويختلفان في البعيدة، فاللخمي يقيدها كالمتوسطة، وابن رشد لا يقيدها، وعلى ما للخمي درج ابن الحاجب وابن شاس وهو ظاهر قول (خ) وفلس حضر أو غاب إن لم يعلم ملاؤه إلخ.
وذا لهُ الْحُجَّةُ تُرْجى والذِي ** بِيعَ عَلَيْهِ مَالَهُ مِنْ مُنْقِذِ

(وذا) أي الذي على مسافة كالعشرة (له الحجة ترجى) فيرد عتقه وطلاقه إن أبطل البينة الشاهدة عليه بهما (و) أما (الذي بيع عليه) من أصل أو غيره لقضاء دينه أو نفقة زوجته وفات بيد مشتريه بتغير ذات ونحوه لا بحوالة سوق ف (ما له من منقذ) أي مخلص، وإنما له الرجوع بالثمن حيث أثبت البراءة أو أبطل الشهادة على من قبضه من رب زوجة أو رب دين كما قال:
وَيَقْتَضِي بِمُوجِبِ الرُّجُوعِ ** مِنَ الغَرِيمِ ثَمَنُ المَبِيعِ

(ويقتضي) هو أي الغائب (بموجب الرجوع من الغريم) وهو رب الدين هنا أو الزوجة (ثمن المبيع) مفعول يقتضي والمجروران يتعلقان به، وقولي: وفات إلخ. احترازاً مما إذا لم يفت المبيع بل كان قائماً بيد المشتري فإنه ينقض البيع ويرد إلى الغائب بعد أن يرد الثمن للمشتري على المعتمد كما في ابن رحال وغيره وقاله (ز) أيضاً عند قول (خ) في النفقات: وبيعت داره بعد ثبوت ملكه إلخ. وهو المأخوذ من قول (خ) في الاستحقاق: وإن أنفذت وصية مستحق برق لم يضمن وصي وحاج إن عرفا بالحرية، وأخذ السيد ما بيع عليه إلى قوله: وما فات فالثمن إلخ. وهذا خلاف إطلاق الناظم، وإن كان الإطلاق هو الذي لابن الحاج وغيره، وكان وجه الإطلاق أنه لو رد البيع مع حكم الحاكم به ما اشترى أحد مبيعه لتوقع فسخه ولا يخفى ما في ذلك لأن توقع الفسخ بإثبات البراءة أو تجريح البينة نادر كتوقعه بثبوت الاستحقاق والعيب النادر لا حكم له. ثم أشار إلى البعيدة جداً فقال.
وَغَائِبُ مِنْ مِثْلِ قُطْرِ المَغْرِبِ ** لِمِثْلِ مَكَّةَ وَمِثْلِ يَثْرِبِ

(وغائب) غيبة بعيدة (من مثل قطر المغرب لمثل مكة ومثل يثرب) على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.
ما الحُكْمُ في شيءٍ عَلَيْه يَمْتَنِعْ ** وهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ ما تَنْقَطِعْ

(ما) نافية أي ليس (الحكم في شيء) من الأشياء حتى استحقاق العقار (عليه يمتنع) بعد ثبوت الموجبات المتقدمة ويمين القضاء، ومثل الغائب المذكور المحجور ولو كان له وصي أو مقدم (وهو) أي الغائب ومن هو في حكمه (على حجته) إذا قدم (ما تنقطع) له بطول الغيبة. وظاهره أنه يحكم عليه في هذه وفي التي قبلها، ولا يقيم له وكيلاً يخاصم عنه، وهو كذلك على المشهور. ومذهب المدونة لأن الوكيل وكذا الوصي والمقدم لا يعرفون الحجج التي يقام بها. وقال سحنون وابن الماجشون: يقيم لهم وكيلاً ولا ترجى لهم حجة. قال ابن ناجي: والعمل عندنا بالقيروان على الجمع بين القولين فيقيم لهم وكيلاً على قول سحنون وترجى لهم الحجة على مذهب المدونة. اهـ.
قلت: وبهذا شاهدنا العمل بفاس ويسمى عندهم وكيل الغياب والمحاجير.
والحُكْمُ مَاضٍ أَبَدَاً لا يُنْقَضُ ** وَمَا بِهِ أُفِيتَ لا يَنْتَقِضُ

(والحكم) بالبيع لمتاع هذا الغائب (ماض) عليه (أبداً لا ينقض) يعني إذا فات المبيع بيد مشتريه بتغير ذات وإلاَّ فينقض كما مر في التي قبلها (وما به) أي الحكم (أفيت لا ينتقض) هذا الشطر تأكيد للشطر الذي قبله وليس فيه معنى زائد عليه.
لَكِنَّ مَعْ برَاءَةٍ يُقْضَى لَهُ ** بِأَخْذِهِ مِنَ الغَرِيمِ ما لَهُ

(لكن مع) إثبات (براءة) ذمة الغائب من الدين أو النفقة اللذين بيع ما له فيهما وأبطل الشهادة عليه بتجريح شهودها (يقضى له بأخذه من الغريم ماله) وقولي بالبيع احترازاً من حكمه باستحقاق العقار أو غير فإنه ينقض فات بالهدم والغرس أم لا. وقولي: هذا الغائب احترازاً من حكمه ببيع متاع المحجور لقضاء دين ونحوه، ثم ظهرت البراءة منه فإن للمحجور إذا رشد أن ينقض البيع ولو فات كما يؤخذ من قول (خ) وغيره في الحجر، وله إن رشد ولو حنث بعد بلوغه أو وقع الموقع الخ فتأمله. والله أعلم. وإلى هذا القسم الثالث من أقسام الغائب أشار (خ) بقوله: والبعيد جداً كإفريقية قضى عليه بيمين القضاء وسمى الشهود وإلاَّ نقض إلخ. وهل يمين القضاء واجبة أي لا يصح الحكم بدونها وهو المعتمد أو هي استظهار واحتياط فيتم الحكم بدونها؟ قيل: وبه العمل لأنه يقول: لا تحلفني إذ لعله يقر بأن حقي باق عليه.
تنبيه:
إذا صير الحاكم دار المدين الغائب لرب الدين في دينه، فلما قدم الغائب أثبت البراءة من دينه أو جرح شهوده، فإن الدار ترد إلى ربها ما لم تفت بهدم أو بناء فيمضي بالقيمة كما يفهم من كلام الشارح لأنه جعلها من قبيل مسألة الجارية الواقعة لشيخه قاضي الجماعة أبي القاسم بن سراج وصورتها: تاجر تسرى جارية بغرناطة وغاب بناحية تونس وادعت الضيعة فكفلها بعض حاشية السلطان ممن له وجاهه، وكتب على سيدها النفقة إلى أن تجمل له قريب من ثمنها فرفع أمره إلى القاضي وأثبت دينه ذلك وغيبة المالك وملكه للجارية، وحلف على المتجمل له وقومت الجارية وصيرت في النفقة لكافلها فأعتقها وتزوجها، ثم قدم مالكها فتظلم من بيعها على الوجه المذكور وادعى أنه ترك لها ما يقوم بنفقتها لأكثر من مدة مغيبه وأن لها صنعة تقوم بها أو يمكنها إتمام نفقتها منها، وتعلق من الدولة بجهة لا تقصر عن جهة خصمه، فكان هذا الخصام مكافئاً في الاستظهار بالوجاهة بين هذين الخصمين اللذين بغى بعضهما على بعض، وثبت القاضي المذكور على حكمه من تصيير الجارية وخالفه غيره قال: ولم يلم القاضي المذكور بإثبات عجزها عن النفقة من صنعة يدها ولا إثبات كون مالكها لم يترك لها نفقة، وقد قال ابن عبد الرفيع في معينه: إذا قامت مملوكة عند القاضي وذكرت غيبة مالكها وأنه لم يترك لها نفقة كلفها إثبات غيبته وبعدها وملكه لها، وأنه لم يخلف لها نفقة ولا بعث لها بشيء، ثم يأمر ببيعها وإيقاف ثمنها للغائب. وزاد غيره أنه يكفلها أيضاً إثبات كونها عاجزة عن استعمالها فيم يستعمل فيه مثلها لتنفق منه على نفسها قاله ابن عتاب في أم الولد. فالمملوكة أحرى وأولى بهذا الحكم. اهـ.
قلت: قد فقد من تصيير القاضي المذكور أيضاً التسوق وعدم إلغاء الزائد، إذ لا يلزم ربها بيعها بقيمتها من غير تسويق، وفقد منه أيضاً أنها أولى ما يباع عليه أو ليس له غيرها، لكن هذا الثاني قد لا يتجه لأنه لو كان له غيرها لكان قد ترك لها نفقة فهو داخل في قوله: وإنه لم يترك لها نفقة، ثم قال الشارح: حكم الحاكم إذا لم يصادف محلاً لكونه مبنياً على أمور مظنونة، ثم ينجلي الأمر بخلاف ذلك كمسألة المفقود تعتد بعد ضرب الأجل وتتزوج ثم يقدم الزوج الأول، وكمسألة الحكم بالنفقة للحامل ثم ينفش، وكمسألة البيع على الغائب ثم تظهر البراءة وكمسألة الخارص يخرص أربعة أوسق ثم يظهر أكثر، وكمسألة مثبت العيب في العبد الذي اشتراه وقد مرض العبد أو كاتبه فغرم قيمته، ثم صح العبد أو عجز عن الكتابة فرق وذهب عنه البيع، فلا رجوع للبائع في القيمة لأنه حكم نفذ. وكمسألة الرحى تحدث بحكم الحاكم لعدم ضررها بالتي فوقها بشهادة أهل المعرفة، ثم يتبين ضررها بالتي قبلها وقطعت الماء عنها فإنها لا تنقض. وكمسألة من نزل الماء في عينه بسبب ضربة فأخذ ديتها ثم برئت ورجعت لحالها، فإن الدية ترد. وكمسألة المشهود بموته فتقسم تركته وتباع عروضه وتتزوج زوجته ولم تعذر البينة، بل ظهر تعمدها للزور فإنه يرد له جميع ذلك كما في (خ). وكمسألة اختلاف المتبايعين في موت العبد في عهدة الثلاث فيرد ثمنه، ثم يأتي حياً فإن رد الثمن بحكم فهو للمبتاع وإلاَّ فللبائع على ما قاله ابن رشد. وكمسألة من ادعى نكاح امرأة فأنكرته فادعى بينة بعيدة لا تؤمر المرأة بانتظارها، فحكم القاضي بسقوط دعواه، ثم قدمت البينة فإنها ترد إليه تزوجت أم لا. ونحو ذلك لا يخلو حكمه المذكور من كونه مبنياً على موجب قطعي أو ظني، فإن كان الأول فإما أن يعارضه قطعي أو ظني فالأول محال وجوده لأنه لا يمكن أن يقع التعارض بين قطعيين، وأما الثاني فلا ينقض بموجب ظني ما ثبت أو لا بموجب قطعي، وليس في هذه المسائل مثال لواحد من هذين القسمين، وأما الثاني من القسم الأول، وهو ما ثبت بموجب ظني فلا يخلو إما أن يعارضه قطعي أو ظني وأيّاً ما كان فإما أن يتعلق به حق الغير أو يطرأ فوت أو يعتبر خوف تفويت مصلحة نصب الإمام، فالأول وهو ما إذا عارض القطعي الظني ولم يتعلق به حق الغير، ولا طرأ فوت ولا غيره فينقض الحكم وذلك كمسألة المفقود تعتد زوجته بعد الأجل وقبل أن تتزوج أو بعد العقد، وقبل دخول الثاني قدم الأول فإنها ترد للأول لأنه تبين للعيان خلاف الظني الذي بنى عليه الحكم، وكذا انفشاش حمل المطلقة وكون العبد للمتاع في مسألة عهدة الثلاث، وكذا خارص الأربعة أوسق لأنه انكشف خطؤه. اهـ.
قلت: وكذا مسألة نزول الماء في العين، وأما إذا عارض القطعي الظني وتعلق به حق الغير أو طرأ الفوت فذلك كمسألة المفقود بعد دخول الثاني بها فإن الحكم لا ينقض.
قلت: وعليه تنزل مسألة الرحى أيضاً، ومسألة مثبت العيب في العبد وقد مرض أو كاتبه، وكذلك مسألة الغسال يتلف بيده الثوب فيغرم قيمته ثم يجده، فإن الثوب يكون له، وكذا من فرط في أمانة فيغرم قيمتها ثم وجدت. وأما القسم الثالث: وهو ما إذا عارض الظني الظني ولم يتعلق به حق الغير، ولا طرأ الفوت، ولا اعتبر خوف تفويت مصلحة نصب الإمام، فذلك كتصيير دار الغائب لرد الدين ثم يقدم ويثبت البراءة فلا إشكال في نقض البيع، وكمسألة الجارية المتقدمة إذا فرضنا أن مالكها ترك لها نفقة أو لها صنعة تقوم بها فلا إشكال في النقض حيث لم يحدث فيها عتق أو تزويج، وإلاَّ فهي من القسم الذي بعده، ومن هذا القسم مسألة الزوجة تطلق بعدم النفقة ثم يظهر إسقاطها فإنها ترد إليه، وأما القسم الرابع: وهو ما إذا عارض الظني الظني وتعلق به حق الغير أو طرأ الفوت أو اعتبر خوف تفويت مصلحة نصب الإمام، فذلك كمسألة دار الغائب إذا بيعت لغير رب الدين فإنها لا ترد لربها إذا أثبت البراءة على أحد قولين تقدما، ولو لم تفت لتعلق حق الغير بها ولخوف تفويت مصلحة نصب الإمام على هذا القول، وهو ظاهر النظم كما مرّ. قال الشارح: ولا يخلو هذا القول من استحسان، والقول بنقض البيع أقيس، ولاسيما مع تزوير بينة أصل الدين. وكمسألة الجارية المتقدمة لأنه طرأ فوتها بالعتق والتزويج. اهـ. ما للشارح هاهنا باختصار. وزيادة للإيضاح إلا أنه أورد على مسألة المفقود بعد دخول الثاني من قال: عائشة طالق. وقال: أردت زوجة لي غائبة اسمها عائشة فطلقت عليه الحاضرة لعدم تصديقه، ثم ظهر صدقه فيما قال، فإن التي طلقت عليه ترد إليه ولو تزوجت ودخل بها، فإن قلنا بالرد في هذه؟ فيقال: بالرد في مسألة المفقود بالأحرى لاحتمال أن يكون طلق عائشة الحاضرة ثم ندم، بخلاف مسألة المفقود فلا احتمال فيها أصلاً، ثم ظاهر ما مر عن ابن سراج والشارح ومن وافقهما أنهم حملوا بيع القاضي على استيفاء الموجبات، وإن على من ادعى انخرامها إثبات ذلك، وهو خلاف ما مر عن السيوري في فصل مسائل من أحكام البيع من أنه محمول على عدم استيفائها، وعليه فيغرم ما زاده ثمنها على قيمتها بتقدير تسويقها ولا يكلف ربها إثبات أنها لها صنعة تقوم بها فتأمل ذلك والله أعلم.